أراء من علمائنا الأفاضل
عن فضل ليلة النصف من شعبان وتحويل القِبْلَة
من مقالة بقلم : د. أحمد عمر هاشم
بجريدة الأخبار المصرية فى 8 شعبان 1427 هـ
الموافق الأول من سبتمبر 2006 مـ
لشهر شعبان منزلة كريمة، ومكانة عظيمة، اختصه الله تعالي بأنه الشهر الذي ترفع فيه الأعمال إلي رب العالمين، ولذلك كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يكثر من الصيام فيه. وكما جاء في الحديث: ' كان يصوم حتي نقول: لايفطر ويفطر حتي نقول لايصوم، وما رأيناه في شهر أكثر صياما منه في شهر شعبان '، وعندما سئل عن سبب كثرة صيامه فيه قال: ' ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلي الله فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم '
وإلي جانب هذا، فقد جعل الله تعالي فيه ليلة مباركة ألا وهي ليلة النصف من شعبان التي يستحب صيام نهارها وقيام ليلها والدعاء فيها، وقد ورد من الأدعية المأثورة التي جاءت بها بعض كتب السنة النبوية المشرفة، هذا الدعاء الذي يبدأ بقول: ' اللهم يا ذا المن ولا يمن عليه يا ذا الجلال والإكرام يا ذا الطول والانعام، لا إله إلا أنت ظهر اللاجئين وجار المستجيرين وأمان الخائفين...'، وهو من الأدعية المأثورة والتي وردت عن بعض الصحابة رضوان الله تعالي عليهم أجمعين كما أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، والصحابي لايأمر بشيء ولايفعله إلا بتوفيق ومع أن الدعاء مخ العبادة، ومع أنه مطلوب في كل وقت وحين ومع ورود هذا الدعاء المأثور في بعض كتب السنة النبوية المشرفة، ومع ما هو ثابت وصحيح في فضل شهر شعبان بصفة عامة، وليلة النصف منه بصفة خاصة.. مع كل هذا فإنه يحلو لبعض الناس كلما أشرقت علينا هذه الأيام المباركة، أن يشككوا الناس في فضل الليلة وفي الأحاديث النبوية الواردة بشأنها، وفي شأن الدعاء المأثور فيها.. ويتوقف الكثير منهم عند عبارة زيدت في الدعاء من بعض العلماء، وليست من الألفاظ المأثورة وهي عبارة: ' التي يفرق فيها كل أمر حكيم ويبرم ' وأن المقصود بها هي ليلة القدر، ونحن نقول ان المقصود ليلة القدر وهذه العبارة ليست من نص الحديث المأثور بل زادها بعض العلماء كما وضح هذا كبار المحدثين والمحققين، وربما دعا الذين زادوا هذه العبارة ان الليلة هي ليلة الدعاء والإجابة ففيها خير للداعين يحققه رب العالمين.
والذين أنكروا فضل هذه الليلة لادليل لهم إلا ما قاله البعض بأن أحاديثها ضعيفة ولكن قال المباركفوري في ' تحفة الأحوذي '
3/367 بعد ان ساق أحاديث ليلة النصف من شعبان: ' فهذه الأحاديث بمجموعها حجة علي من زعم انه لم يثبت في فضيلة ليلة النصف من شعبان شيء ' وقال الشيخ عبدالله بن الصديق الغماري ردا علي منكر أحاديث فضلها قال' في هذا غلو وإفراط ' وقال الشيخ ابن تيمية رحمه الله في كتابه ' اقتضاء الصراط المستقيم' ص32: ' وليلة النصف من شعبان قد روي في فضلها من الأحاديث المرفوعة والآثار ما يقتضي انها مفضلة، وأن من السلف من كان يخصها بالصلاة فيها، وصوم شهر شعبان قد جاءت فيه أحاديث صحيحة '
وحسبنا ان نذكر هنا اختصارا في الكلام حديثا صحيحا في فضل هذه الليلة عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ' يطلع الله علي عباده ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن ' رواه الطبراني في المعجم الكبير والأوسط وقال الهيثمي في المجمع: ورجالهما ثقات كما رواه ابن حبان والبيهقي في شعب الإيمان، وهذا الحديث درجته: انه صحيح وجاء عن عدد من الصحابة م. وقد أورد المحدث العلامة الإمام محمد زكي ابراهيم رائد العشيرة المحمدية في كتابه: ' ليلة النصف من شعبان ' معظم الأحاديث الواردة فيها ثم قال رحمه الله: ' وهذه الأحاديث وإن كان في بعضها ضعف أو لين فهي مجبورة ومعتضدة بتعدد طرقها وشواهدها وهكذا تأخذ رتبة (الحسن) علي الأقل '
كما أورد رحمه الله الدعاء المشهود: ' اللهم يا ذا المن ' وهو دعاء أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف عن ابن مسعود وورد عن ابن عمر ما قال: ما دعا قط عبد بهذه الدعوات إلا وسع الله عليه في معيشته : ' يا ذا المن فلا يمن عليه يا ذا الجلال والإكرام يا ذا الطول والإنعام، لا إله إلا أنت ظهر اللاجئين، وجار المستجيرين ومأمن الخائفين... إلخ ' وأورده السيوطي في الدر المنثور والالوسي في روح المعاني، وأخرجه ابن جرير وابن المنذر والطبراني عن ابن مسعود.. وقال الإمام محمد زكي ابراهيم رحمه الله ومثل هذا الدعاء مع الإخبار بأن الداعي به يوسع عليه في رزقه.. إلخ لايكون أبدا إلا بتوفيق نبوي فليس من شأن صحابي ولاغيره ان يخبر بجزاء عمل غيبي
' فيكون بذلك له حكم المرفوع ' وبخاصة ان النبي صلي الله عليه وسلم حي والوحي مخصوص به لاينزل إلا عليه وآداب الصحابة لاتأذن لهم بأن يقدموا بين يدي الله ورسوله '
وقد اسند الإمام القرطبي هذا الدعاء إلي عمر بن الخطاب من طريق أبي عثمان النهدي. وبناء علي هذا يكون هذا الدعاء معروفا للصحابة متداولا بينهم. قال فضيلة الشيخ محمد زكي ابراهيم رحمه الله أما بقية الدعاء من عند قولهم:
' إلهي بالتجلي الأعظم ' إلي نهايته فقد زاده الشيخ ماء العينين الشنقيطي، وذكره في كتابه: ' نعت البدايات ' ولا بأس به، فالاجتهاد في الدعاء سنة نبوية مقررة.. وعلي الداعي ان يتجاوز العبارة التي أثارت الخلاف وهي قوله في وصف ليلة النصف
' التي يفرق فيها كل أمر حكيم ويبرم '، والراجح انها مدسوسة عليه، أو انه سار فيها علي الرأي غير المشهور، إذ النص القرآني علي ان هذا الفرق يتم في ليلة القدر.
وعلي المسلمين، ان يتعرضوا لنفحات الله في الأيام المباركة وأن يكثروا من التقرب إلي الله تعالي والتوبة والدعاء، وألا تجرهم تلك الزوبعة التي يفتعلها البعض حول ليلة النصف..
وليت الذين يحاولون تشكيك الناس في فضلها يستوثقون من الأحاديث الصحيحة والحسنة الواردة بشأنها، وبدل ان يبددوا الجهود والأوقات في صد الناس عن العبادة والدعاء ان يوجهوا جهودهم إلي مقاومة المنكرات وما يغضب الله تعالي، وأن يصدوا حملات التشكيك التي تريد أن تنال من الإسلام، وألا يصدوا رواد المساجد الذين يدعون ربهم في هذه الليلة المباركة وفي غيرها من الأيام والليالي الكريمة.