من أخطر الأمور على المجتمع المسلم ظهور الفاحشة وشيوعها في الناس، وهذا نذير شؤم؛ لأن العذاب مرتبط بظهور الفاحشة، فمن أقوال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (وما ظهرت الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا ظهرت فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم).... رواه بن ماجة والحاكم والبيهقي، وصححه الألباني في (السلسلة الصحيحة).
ولعل حال الأمة الإسلامية الآن وما أصابها من بلاء سببه ظهور هذه الأمراض؛ مما يحتم علينا البحث عن أسبابها لنصل إلى العلاج.
الأسباب والعلاج:
لقد كان لظهور الفاحشة وانتشارها بين الناس أسباب.. نذكر منها:
1- الاختلاط بين الرجال والنساء:
فالاختلاط – غير المشروع – بين الرجال والنساء خطير جد خطير؛ لأنه يعد بداية لزوال الحشمة وارتفاع الحياء ومن ثم بابا من أبواب ارتكاب الفواحش والمحرمات، وقد جاء في الحديث: (لا يخلون رجل وامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما).... رواه الترمذي، وصححه الألباني.
والحديث يعم كل الرجال والنساء، الأتقياء منهم والفجار، الكبار والشباب، وفي الحديث أيضا: (إياكم والدخول على النساء). فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو: قال صلى الله عليه وسلم: (الحمو الموت).... رواه البخاري.
قال النووي: المراد في الحديث أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه؛ لأنهم محارم للزوجة، وقال: إنما المراد أخو الزوج، وعم الزوج وغيرهم ممن يحل لهم التزوج بها، لو لم تكن متزوجة، وقد جرت العادة بالتساهل فيه، فيخلو الأخ بامرأة أخيه، فقد شبهه الرسول صلى الله عليه وسلم بالموت، والمنع أولى بالأجنبي.
وقد انتشر هذا النوع من الاختلاط داخل الأسر، وكذلك أتت العادات الاجتماعية في بعض الدول لترفع الحرج عن هذا الاختلاط حتى انتشر انتشار النار في الهشيم، ومعلوم أن هذا الاختلاط لا ينفك عن الضحكات والنظرات والخضوع بالقول ومصافحة المرأة للرجال الأجانب، وكل ذلك من المحرمات.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي الشديد عن المصافحة بين الرجال والنساء الأجانب كما في الحديث: (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له). صحيح الجامع.
ولو أستثني من هذا الحكم أحد أو موقف لكان موقف مبايعة النبي للصحابيات في العقبة أو المهاجرات أولى المواقف بذلك ولكنه صلى الله عليه وسلم قال: (إني لا أصافح النساء، إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة). [السلسلة الصحيحة].
قالت عائشة رضي الله عنها: (ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة أجنبية إلا يملكها).... رواه البخاري.
وقد منعت الشريعة الاختلاط حتى في المساجد، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم أباح للمرأة أن تذهب للصلاة في المسجد، إلا أنه أباح ذلك على أن يكون ترتيب الصفوف في الصلاة: الرجال أولا، ثم الأولاد، ثم النساء، وذكر أن خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، شرها أولها.
قال العلماء: وما ذلك إلا لقرب آخر صفوف الرجال بأول صفوف النساء، كل ذلك لمنع الاختلاط بين الجنسين من غير المحارم، أو تضييق ذلك قدر الطاقة طلبا لنظافة المجتمع ومنعا لشيوع الفاحشة فيه والتي من أكبر أسبابها الاختلاط غير المشروع.
2- تفكك الأسرة وانعدام الرقابة:
ومن المعلوم أن الأسرة هي عماد المجتمع، وبانهيار الأسرة ينهار المجتمع كله، فالأسرة المتمسكة بشرع الله هي صمام الأمان للمجتمع كله، ولقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الله سائل كل راع عما استرعاه، حفظ أم ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته.
ولقد بلغ الانحلال والتسيب الأسري في هذه الأيام مبلغا كبيرا، حتى أصبحت الفتاة تخرج من بيتها شبه عارية في صحبة أخيها أو أبيها.
وصار بعض الأزواج يفتخر بجمال زوجته وأناقتها وعلو كعبها في مسايرة الموضة على أترابها، ويخرج بها إلى أماكن التجمعات ومواطن الاجتماعات معرضا إياها لأعين الناظرين وأفكار الضائعين.
حتى إن الإنسان ليتساءل أين ذهبت الرجولة من قلوب وعقول هؤلاء؟
فيا أيها الآباء، ويا أيها الأزواج! اتقوا الله في أولادكم ونساءكم، فإنكم غدا مسئولون بين يدي الله .
إن أحدكم لو وقع على يدي ابنته ماء ساخن فاحترق بعض يدها؛ لتألم لألمها، فكيف بنار جهنم، وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}... (التحريم : 6).
إن رعاية البيوت والأسر تتطلب منع المنكرات وإقامة النفس والأولاد على شرع الله بحسب الاستطاعة.